مراجعة رواية "الفيل الأزرق" للروائي المصري "أحمد مراد".

 

 

رواية "الفيل الأزرق" للروائي المصري "أحمد مراد".

ما الذي يجعل هذه الرواية مثيرة للاهتمام؟

أكثر ما يجعل هذه الرواية مثيرة للاهتمام (في رأيي "المتواضع") يكمن في سمعة كاتبها طوال مسيرته "الأدبية" و ما امتازت به أعماله من إثارة للجدل بحيث يستحيل تقريبا أن لا يكون القارئ منا قد سمع أو قرأ عنه مرة واحدة على الأقل في مكان ما. أحمد مراد كاتب تجاري قبل كل شيء، ما يعني أنه يحرص على أن تكون أعماله بشكل أساسي و قبل كل شيء جذابة و مثيرة سواء من حيث الأفكار التي يجب بالطبع أن تكون جدلية غريبة و غامضة  لكن و مع كل ذلك يجب أن تكون مألوفة و متجدرة بشكل أو بآخر في الخلفية الثقافية للقارئ المستهدف (سواء أكانت هذه الخلفية تاريخا مضى و انتهى أو كانت مستمرة يتشكل حاضره على أساسها) و هذا طبعا حتى يضمن نوعا من تماهي القارئ مع روايته.

و دعونا نأخذ الروائي التجاري العالمي "دان براون" مثالا. القارئ الذي سبق له أن عاش تجربة القراءة لدان براون سيلاحظ طبيعة المواضيع التي يناقشها و التي إما تكون مبنية على قضايا و مخاوف راهنة يسلط الإعلام أبواقه و أضواءه عليها طوال الوقت مما يجعلها قضايا محورية لدى العامة يجري الحديث عنها على طاولة كل مقهى أو تجمع لشلة أصدقاء( كما حدث في روايته الجحيم و التي كانت تتكلم عن النمو السكاني الضخم المستنفذ للموارد الطبيعة إلى الدرجة التي ينبغي معها التعامل معه بجدية و حزم) و إما أن تكون من النظريات المثيرة  التي يجري تداولها شعبويا بكثرة و يستجد فيها جديد مع كل لسان ينقلها كرواية "الرمز المفقود" و التي تكون الماسونية العالمية محورها، أو رواية "الحصن الرقمي" التي يكون الذكاء الاصطناعي المخابراتي -و الرغبة المتنامية لكل  ذي نفوذ في تقوية نفوذه- جوهرها. و ربما تبنى على قضايا جدلية تعتبر تقريبا "محرمة" و نادرا ما يتم الحديث فيها كالفاتيكان مثلا في روايته "ملائكة و شياطين".

هل أقارن بين "أحمد مراد" و "دان براون"؟ قطعا لا، و إنما أحاول توضيح الأسلوب التجاري في الكتابة. مع أنني -لأكون واضحة و صريحة- متحيزة جدا لدان براون بما أن أعماله إضافة إلى كل ما سبق تتميز بالحركة و المطاردات(الجانب البوليسي) بشكل بارز و واضح و هو الأمر الذي لم أستشعره كثيرا في العمل الوحيد الذي قرأته لأحمد مراد( نعم، قرأت له عملا واحدا و بدأت بتعميم انطباعاتي على جميع أعماله، ألست قارئة مثالية).

خلاصة، فإن قراءة هكذا روايات و أعمال هي رفاهية لا ضرورة، فلن أدعي فيها الفائدة و المعلومة و إن كانت أحيانا تحتوي على كثير منها و لن أدعي فيها عمق الفكرة  التي قد تضمها روايات كلاسيكية كمزرعةالحيوان أو يوتوبيا على سبيل المثال، لكني أضمن لك ألا تترك الكتاب حتى تنهيه بمجرد فتحه.

 

مراجعة للرواية: ما الذي حدث حقا؟؟

ملخص الرواية:

تدور أحداث الرواية حول "يحيى" الذي يضطر للعودة إلى عمله كدكتور في مستشفى العباسية للأمراض العقلية بعد انقطاع دام خمس سنين كان سببه وفاة ابنته و زوجته في حادث سيارة كان له دور فيه، فقط ليفاجئ بصديق دراسته نزيلا في قسم المجرمين بعد قتله لزوجته، فيحاول "يحيى" تبين ما حدث عله يجد سبيلا لمساعدته، لتتوالى الأحداث و تتجلى مجموعة من الحقائق التي ترمي به إلى عالم ما وراء الطبيعة و تجعله يتخبط في العوالم السفلية... و بموازة ذلك يعاد إحياء قصة حب قديمة بين "يحيى" و "لبنى" -شقيقة صديقه- التي انتهت منذ أيام الشباب.

ماذا حدث بالفعل في "الفيل الأزرق"؟

هل كان "يحيى" فصاميا؟

في أول يوم من عودته للعمل و قبل أن يعلم بأمر صديقه و قبل أن يحادث أحدا، التقى في حديقة المشفى بمريض عجوز يناظر ما تبقى من شجرته المفضلة التي جرى قطعها خلال فترة غياب "يحيى" و يتبادلان أطراف الحديث، لاحقا نكتشف أن ذلك المريض مات مذ قطعت شجرته (حزنا عليها) ما يعني أن هذا اللقاء لم يتم قط.

يتهم الدكتور "سميح" "يحيى" بالجنون و يصر على أنه مصاب بالفصام بعد ما سمعه من المريض "شريف" نفسه عن أنه يتصل بهاتفه ثم يجيب نفسه... و بالمناسبة هذه الاتهام ذاته يجعل "يحيى" يشك في احتمالية أن يكون مريضا بالفعل...

حوارات المريض  و الدكتور "يحيى" نراها من زاوية "يحيى" ليس إلا، ما يجعلنا نشك في مصداقية ما يروى لنا عن حالة المريض شريف...

 

كم عدد الشخصيات داخل المريض "شريف"

  عندما يأتي "يحيى" بالقميص و يظهره ل"شريف" عله يحفزه على الإقرار بما حدث(حسب ما يدعي طبعا)، يتكلم "شريف" بصوت واثق ثابت ليحثه على الإبقاء على القميص، ثم يتحول عن موقفه في لمح البصر ليحثه على إحراقه، ما يجعلنا نخلص إلى أن جسد شريف تتشاركه ثلاث "شخصيات" بما فيها شريف نفسه. و يتبن لنا فيما بعد أن إحدى الشخصيات هي ما يسمى بالمأمون ( و هو الذي كان يريد الإبقاء على القميص) بينما الثاني هو نائل(جني أو عفريت أو شيطان) و قد أعلن عن نفسه باسمه صراحة سابقا(و هو الذي يريد إحراق القميص). و من هنا تظهر إشكالية محورية تستبد سرا بعقل القارئ: لو أننا تقبلنا كون "شريف" ممسوسا من الجان (في هذه الحالة من الجني نائل)، فكيف نفسر تواجد المأمون، علما أنه (أي المأمون) بشري عادي عاش منذ ماض سحيق و قد ذاق بدوره من ويلات نائل ما ذاق.

و قد يذهب البعض إلى أن جسد شريف تتقاسمه شخصيتان فقط هما شريف و نائل و أن شريف هو الي أراد الاحتفاظ بالقميص لعلمه بفائدته، و هنا أود أن أنبه هذا القارئ إلى ما ورد بكتاب السحر الخاص بالواشمة: لا يستطيع الممسوس التحدث إلا من خلال الأرقام و إن حاول غير ذلك سيحرق، و هذا ايضا يفسر الأرقام التي كتبها شريف على جدران بيته قهريا و التي كانت استغاثة منه.
(جميع ما ورد كان مبنيا على وجهة نظر "يحيى" ما يجعل الشك فيه أمرا منطقيا إن لم يكن واجبا)

ماذا يكون الفيل الأزرق؟

حبوب "الفيل الأزرق" المهلوسة التي ادعى "يحيى" أنه حصل عليها من شريكة سريره "مايا" و التي ادعى أنها اخدته(الضمير هنا يعود على الحبوب) في رحلة عبر الزمن يقودها فيل أزرق عبر أبواب ثلاث، تلك الحبوب التي يحاول التحقق من مصدرها بعد أن استنفذها ليفاجئه المروج باختفائها و عدم قدرته على الحصول على مزيد منها، تاركا إيانا غارقين في دوامة التساؤلات عن  المصدر الحقيقي لهكذا حبوب..

النهاية...

نهاية لم تكن مفهومة أبدا بالقدر الكافي (على الأقل بالنسبة لي). فلو تجاوزنا ما أراده الكاتب أن يبدو كنهاية سعيدة نسبيا من تجنب شريف لحكم الإعدام و تخلصه من نائل، فلن نستطيع تجاوز النهاية العجيبة ل"يحيى" مع لبنى، إذ يفيق و يجد نفسه متزوجا بها و قد مضت سنوات على زواجهما وهو الأمر الذي لم يستطع تذكره، ثم ينتبه إلى أن الوشم الذي كان على جسد المأمون و على جسد شريف من بعده صار على جسده الآن. السؤال الذي يطرح نفسه هنا متى تزوجا أكان بعد ما حدث لشريف و لماذا لا يتذكر "يحيى" زواجهما، هل ربما لأنه أفاق للتو من إحدى النوبات الفصامية الضلالية، أم أن زواجهما هذا بحد ذاته ما هو إلا هلوسة من هلوساته... الأمر الوحيد المؤكد أنه بظهور الوشم عليه الآن فإنه سيعيش نفس دورة الحياة و سلسلة الأحداث التي عاشها شريف و من قبله المأمون.

النهاية.

 

 

 

 

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

مذكرات كاتب بجتر الموت: عندما يعبث بالموت العقلاء

مذكرات كاتب يجتر الموت: آخر ملوك السماء