نظرة إلى الشعلة : لا أحد يهرب

و كنهاية كل يوم أويت إلى فراشي ...أطفأت الأنوار ، فتحت المجال أمام ضوء النجوم إذ أردتها أن تشهد على إنجازي، انتزعت رأسي فألقيت به على وسادتي التي اعتادت رائحة الموت و مذاق الدماء ، و ارتميت بما تبقى من جسدي الفاني على سريري الميت فالتقى الميتان يصرخان يستنجد كل منهما بالآخر..
نفرت مني روحي، سمعتها تتأفف، أحسست بها تغادر بصخب متعثرة بكل السلاسل التي أثقلتها بها و بكل الأشواك التي نثرتها في طريقها. و على بعد خطوات من النهاية توقفت لبرهة، استدارت و نظرت إلي مطولا فرفعت يدي إشارة لتوديعها، أردت أن أتمنى لها حظا موفقا لكن لساني عجز عن النطق فبادلتها النظر و التحديق بصمت.. تابعت السير.. خطوة.. خطوتان.. ثلاثة... فتحت عيناي .." لقد دمرت الحياة، لقد هزمت نمط الحرب " كنت لأقولها بفخر، بصوت عالي...بحماس داخلي و لكن أيضا برباطة جأش. كنت لأتذكر الحياة على ألحان موسيقى الصمت فأبتسم بسخرية، أبتسم لأني تجاوزتها، لأني أقوى و أدهى منها.. كنت لأستيقظ مبتهجة على رائحة السلام ، على ألحان الهدوء، على مذاق الفراغ . كنت لأفتح عيناي ببطء شديد لأشعر بالصورة تتكون أمامي شيئا فشيئا، جزيئة فجزيئة، تتوضح إنشا بإنش. كنت لأنهض ببطء و أسير متروية على طول خط اللاشيء، كنت لأشعر بكل خطوة و أستمتع بغياب الاحتكاك، كنت لأسعد باستغنائي عنه. كنت لأتوقف أحيانا فأنظر خلفي فأكمل المسير و أنا أتأمل المسار أمامي لا يختلف أبدا عما تركته خلفي و لن يختلف أبدا و لن ينتهي أبدا، كنت لأسعد و أنا أتأمل وجه "القلق" و هو يعيد هذا المشهد في ذاكرته مرارا و تكرارا ، كنت لأرغب في تخيل ملامح وجهه تتشكل و أنا أرميه في سلة المهملات حيث ينتمي، كنت لأرغب في رؤيته يتجرع مما سقاني به ، كنت لألتهم مشاعره و هو ينظر إليَّ أمشي بعيدا عنه ، كنت لأحب رؤيته صريعا .. و ها أنا ذي أفتح عيناي على ثلاثة أضواء ساطعة حينا متلاشية و خافتة أحيانا، تختفي لبرهة و تعاود السطوع. أميز خيالات بيضاء تتحرك بجواري بسرعات متوترة و في مسارات محددة لا تخرج عنها، يا لها من خيبة أمل ، كنت لأحب بعض الوحدة. تعرفت أصواتا صاخبة، متنوعة و متتالية لا تسكن أبدا، متتابعة يذوب بعضها في صدى بعض. خيبة أمل أخرى، أظنني لن أحظى بالهدوء أيضا ، أظن أنه لا بأس بهذا ما دمت سأحظى بالسلام... أغلقت عيناي للحظة متخيلة أنني سأتذوق طعم السلام فاقتحمني إحساس غريب، إحساس بالحنين إلى شيء ما ، إلى شيء أعجز عن تعرفه و عن تمييزه. أجبرني ارتيابي على فتح عيناي مجددا لأرى الظلال قد توقفت عن الحركة و سكنت متموضعة على مقربة مني، أستطيع أن أحس بقربهم لكني أعجز عن تبين أشكالهم، انحنى أحدهم يحدق بي ، ها نحن أولاء وجها لوجه ، عين لعين ، وجه ضبابي ، عيناه بحيرة مشتعلة،  جسد يعبق براحة القلق ، و قلب ينبض بتواتر سريع يجعلني أكاد أقسم أنه الآن يلتهم وجبة دسمة من الخوف ، و ها هو الآن محاولا التنفس ببطء و تهدئة أعصابه...مهلا..التنفس؟ هو حي ؟؟...هو حي....  

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

مراجعة رواية "الفيل الأزرق" للروائي المصري "أحمد مراد".

مذكرات كاتب بجتر الموت: عندما يعبث بالموت العقلاء

مذكرات كاتب يجتر الموت: آخر ملوك السماء