مجرد يوم آخر
أحيانا أجلس ساكنا محدقا في الخشبة لكنني مغيب عن الأداء
و لا أرى غير الستار بلونه الأحمر الغاضب، أراه على شقيه يقف هادئا ساكنا، صامدا
لا تجرؤ حتى نسمات الهواء القليلة -المتسربة من الحفر على الجدران على تحريكه- على
تحريكه.. أتأمله و أرى في سكونه عتاب كل شق للشق الآخر و عقابا له بالاستسلام.
يؤلمني أن أعرف أن هذا الخيار ربما يرحمه من الصور المتلاحقة المتسارعة على الخشبة
لكنه لن يعفيه من الأصوات التي لن يستطيع في حال من الأحوال إسكاتها و سيقف مواجها
له عاجزا أبد الدهر عن تجاهلها. و إن نجى
من فن الصورة فأي معجزة سيحتاج لينجو من علم الطاقة. كيف عساه ينجو من تلك الطاقات
الانفعالية المتحررة من الأرض الخشبية و التي تعكسها الجدران معيدة إياها إلى قلب
المصدر حيث تحترق لتعود أقوى و أسرع. كيف عساه لا يتمزق إلى تسعة و تسعين جزءا بعد
ان تمر هذه الطاقات و تخترقه كرصاصة طائشة. كيف عشاه شقه لا يخون رفيقه و يتوزع
شظايا تتقاذفها الرياح. كيف له أن يتمالك نفسه عن مناجاة الأغبرة و العناكب. هل
يكون صموده لنفسه أم لحبيبه و رفيق دربه، أم أن حبه للبقاء يفوق عبثية وجوده و
غموض دوره. هل عساه يرضى بالوجود فقط لكونه الأمر المؤكد الوحيد بالنسبة له، أم
أنه وضوح مصيره الحتمي يمنحه بصيصا من الأمل في انكشاف دور حيوي له أثناء وجوده
العبثي هذا. هل يمكن أن تغنينا عظمة نهاياتنا عن عبثية بداياتنا. هل نتخلى عن
تقرير مصائرنا منتظرين حلولها فارغين و شفافين لا يكاد وجودنا يدرك. هل نحن مجرد
زينة للوجود.
نحن، أنا و الستار أقرب ما يكن للتضاد منه للتماثل لكن
الخطوط العريضة لحيواتنا تتماثل بشكل كوميدي ساخر غريب، إذ تتقاطع في نقاط العبثية
و الضياع و الجمود و الصراع و تتوازى في تجارب الاختيار و واقع الافعال. فلئن كان
الستار شاهدا على هذا العرض الأزلي الأبدي فلأنه وضع هناك ليراقب و يشهد، و إني لا
أظن أنه كان ليقرر ان يفعل غير ذلك و إن شاء، فحربه ليست مع نفسه بل مع شقه
الثاني، نهاية كل منهما بين يدي الآخر و صراع كل منهما رهين بصراع الآخر، و هكذا
فإن استسلام الواحد منهما رهين باستلام غريمه و مسبب له، و فناءه مرتبط بلقاء
رفيقه. أما أنا فإن حربي مع نفسي، معركتي هي ذاتي و الميدان انا. ما وُضعت متفرجا
غصبا بل صُنعت مشاركا و خُلقت خالقا، و لكني اخترت المشاهدة لأنني وجدت تفسي في
حرب محلية أكثر إلحاحا. و غن كان العرض يروقني و نهايته تقلقني فلأن يشملني و
نهايته نهايتي. و كيفما كان العرض فإني راغب بالبقاء و متمسك بالوجود. و لئن تنصلت
من دوري أيا كان هذا الدور لن يرحمني. و عندما يؤذن للستار بأن يلقى حتفه أخيرا،
سيصرخ الفضاء في وجهي مجبرا إياي على الصعود إلى الخشبة و الانحناء للمرة الأخيرة
مع غيري من المؤدين. و لن يفرق المدون فيما بعد الجروح التي تملأ أجسادهم و بين
الخدوش التي تزينني، و لم تصنع الأسباب فرقا. لن يكترث أين كنت قبل النهاية طالما
أني كنت على الخشبة أثناء النهاية، ثم إنه لن يميز ابتسامة خلاصي من ابتسامات
اللذة أو الندم الخاصة بهم، لن يفرق بين عيناي و أيديهم، و لا بين عقلي و قلوبهم
أو بين قلبي و عقولهم... لذا لا تلمني إن راقني عزف العازف و أدهشني دهاء الممثل و
أمتعتني عبقرية الرسام، فلماذا لا أستمتع بها إن كنت سأرمى بنتائجها و أحاسب على
أسبابها...ثم رحمة بي يا قوم، فأنا الذي سيلام على ما لم تقترفه أفكاري أو تصنعه
يداي. فلا تلمني على ابتساماتي و أنت الذي تجتهد في صناعتها...
Commentaires
Enregistrer un commentaire