خرافة الموضوعية : نظرة من أعلى
من المستحيل أن يكون
الإنسان موضوعيا، فالموضوعية أمر دمرته النسبية و أفنته، إلا بعض الأنقاض و
الرواسب التي لا تزال عالقة في أذهان البشر حتى يومنا هذا. فالأمر و بكل بساطة أن
كل نظرية أو فكرة لابد لها أن تقوم في جزء من أجزائها على الملاحظة ، و في كل
لحظات من لحظات الاستنباط و الحساب لابد من استحضار الملاحظة الأولية، فالاستنباط
مهما بدا ذهنيا أو حسابيا بعيدا عن الملموس إلا أنه يبقى استنباطا من شيء ما ، و
هذا الشيء لا يمكن أن يكون عدما أو خيالا خالصا، و حتى لو افترضنا أنه خيال، فإن
أسسه (و التي هي أسس الخيال عامة) تقوم أيضا على جزء مما يمكن أن نسميه بحقائق
العالم الواقعي، و بناء على هذا فإنني عندما أقول أنني أرى الأمر من منظور معين و
أبني أسسي نتائجي باعتماد المنظور الذي رأيته، بينما يمكن أن يرى شخص آخر نفس
الأمر من منظور مختلف تماما ، و سواء أكنت قادرة على رؤية المنظورين معا أو على
رؤية أحدهما فقط و الذي هو منظوري فإن أقصى ما يمكن أن أفعله للاقتراب من وهم
الموضوعية ذاك و مقاييسه هو تقبل وجهة نظر
الأخر مادام قادرا على صياغتها بطريقة منطقية محترمة أسس المنطق السليم ، أما في
ما يخص الثوابت و الأسس التي بني عليها و بواسطتها وهم الموضوعية فليست إلا
اختيارات لآراء و نظريات و استنباطات، اختيارات كانت هي الأبسط و الأسهل في
الاستيعاب مع توفر شروط المنطقية و قابلية الإثبات (نظرية كانت أو عملية)، أحدهما
أو كلاهما، و وجود هذه الثوابت الموضوعية لا ينفي في حال من الأحوال وجود غيرها، و
من هنا يمكننا دائما التأكيد على أن الأصل في الكون هو الذاتية، و لكن لأنها تولد
اختلافا عميقا و خلافا عقيما عند الجهل بأسسها و طرق إدارتها، و لأن الطبيعة
الكونية في صورتها العامة وجب أن تبدو بسيطة عاكسة الجمال و الإبداع في ذات الوقت بطريقة
قابلة للاستيعاب و غير محيرة إلى الدرجة التي قد تنسينا عيش لحظات الإعجاز
الكونية، اخترع البشر وهم الموضوعية و وضعوه مقياسا للحفاظ على البساطة و الجمال.
<3
RépondreSupprimerthank u so much
Supprimercool
RépondreSupprimerthank u so much
Supprimer