Articles

Affichage des articles du 2019

من عمق الفراغ...

كانت لحظة فاصلة تلك التي أضاءت فيها المصابيح دون سابق إنذار، أو على الأقل هكذا بدت لي. لم يسبق لي -منذ أن وطئت قدمي هذا المسرح- أن رأيته مضاء بهذه الطريقة و بهذا الكم من مصابيح السقف. بدا مختلفا، أكثر كآبة و أكثر حزنا. لطالما تخيلته (المسرح)مهجورا من سواي غير أنه كان في حقيقة الأمر ممتلئا عن آخره. كان حيا جدا لكن خاليا من الروح. كان الصف الذي يتوسطه مقعدي خاليا من غيرا و كان هذا أمرا بديهيا إذ أنني لا أتخيل مدى الدهشة التي ستنتابني أو قوة الدهشة لو أن عقلي تجاهل كما هائلا من الحياة يتربع تماما بجواري. لاأزال أحاول لم شتات ابتسامتي التي أبدتها المفاجأة التالية التي حلت علي كالصاعقة، إذ أنه لطالما بدت الخشبة قريبة و الرؤية واضحة مما جعلني أتوهم أن موطن جلوسي يقع في الصف الأول أو على الأقل في صف من الصفوف الأولى، لأصعق بأنه إنما يقع في منتصف القاعة، بل إن هنالك متفرجين يحتلون مقاعد الصفوف الأولى جالسين بهدوء و سكون يتفرجون بنظرات ساخرة و ابتسامات متوترة، عيونهم مسمرة على الخشبة و لا تفارقها إلا بين الحين و الآخر ليلقي كل منهم نظرات على الآخرين من جيرانه، نظرات مجاملة، نفور و أحيانا است...

مجرد يوم آخر

أحيانا أجلس ساكنا محدقا في الخشبة لكنني مغيب عن الأداء و لا أرى غير الستار بلونه الأحمر الغاضب، أراه على شقيه يقف هادئا ساكنا، صامدا لا تجرؤ حتى نسمات الهواء القليلة -المتسربة من الحفر على الجدران على تحريكه- على تحريكه.. أتأمله و أرى في سكونه عتاب كل شق للشق الآخر و عقابا له بالاستسلام. يؤلمني أن أعرف أن هذا الخيار ربما يرحمه من الصور المتلاحقة المتسارعة على الخشبة لكنه لن يعفيه من الأصوات التي لن يستطيع في حال من الأحوال إسكاتها و سيقف مواجها له عاجزا أبد الدهر  عن تجاهلها. و إن نجى من فن الصورة فأي معجزة سيحتاج لينجو من علم الطاقة. كيف عساه ينجو من تلك الطاقات الانفعالية المتحررة من الأرض الخشبية و التي تعكسها الجدران معيدة إياها إلى قلب المصدر حيث تحترق لتعود أقوى و أسرع. كيف عساه لا يتمزق إلى تسعة و تسعين جزءا بعد ان تمر هذه الطاقات و تخترقه كرصاصة طائشة. كيف عشاه شقه لا يخون رفيقه و يتوزع شظايا تتقاذفها الرياح. كيف له أن يتمالك نفسه عن مناجاة الأغبرة و العناكب. هل يكون صموده لنفسه أم لحبيبه و رفيق دربه، أم أن حبه للبقاء يفوق عبثية وجوده و غموض دوره. هل عساه يرضى بالوجود فق...

تذكرة إلى العرض

أجلس على كرسي خشبي غامق، أتلمس شظايا الخشب المنفلتة من كرسي على يميني و أتأمل الستار الأحمر القاتم مفتوحا على مصرعيه مقدما عازفا يصرخ بالموسيقى فيلطم على إيقاعها راقص غريب يحدق بإعجاب برسام مفتون بالريشة التي تتراقص بين بين أصابعه سعيدة بطلائها الدموي الذي ارتوت منه شاكرة الممثل الجذاب الذي يدعي سفك الدماء عبثا   مضمرا استفادته منها. و على قدر إعجابي بجودة العرض المذهلة و بالأداء الممتع المتناسق للجميع هناك على خشبة العرض، و مع أنهم قالوا أن العرض هذا يدوم إلى الأبد إلا أنني قلق من أن هذا الاستعراض سينتهي عاجلا أم آجلا، خائف من ان الأبد يدوم فقط إلى أن يفنى الزمن.. أتفقد بنظرات عابرة لكن ثاقبة طرفي الستار يرتجفان و يتمايلان مشتاقين لبعضهما، غاضبين على شيء سواهما، فيبث حبهما القلق في نفسي لأخشى أن يهزم اشتياقهما ابتسامات الممثلين و المستعرضين، أخاف أن تتفوق همجيتهما على الكياسة التي يبديها الجميع على تلك الخشبة للجميع على تلك الخشبة. كل هذا يجعلني أشعر أحيانا برغبة جامحة في تقييد هذا الستار بكل   ما في العالم من حبال و الصراخ في وجهه عما يختلجني من رغبة في استمرار هذا العر...

الإنسان الفاضل

"الإنسان الفاضل" هذا اللقب الرنان البارق اللامع الذي له من القوة و السلطة ما يستطيع بها إغراء الناس ليبذلوا الغالي و النفيس في سبيله (أو على الأقل كان كذلك في زمن من الأزمان)، هذا اللقب الذي تسعى طائفة من المخلوقات الآدمية إلى استحقاقه و التوسم الشريف به بينما تولي طائفة ثانية اهتمامها لنيله ظاهريا و اسميا فقط دونما اي التزام صريح بما يستوجبه هذا الفعل من التزام بقيم الفضيلة و الدماثة و رقي الأخلاق، و إنما في حقيقة الأمر تكون محاولة الظهور بمظهر الإنسان الفاضل لدى الطائفة الأخيرة مدفوعة بنوايا خبيثة و محفزة بدوافع خسيسة نابعة من رغبة مرضية أنانية في الحصول على مجمل المنافع الظاهرية المادية و المعنوية التي تجود بها مجتمعاتنا على كل من ترى فيه لمحة من فضيلة أو بعضا من الاستعداد لإبدائها (أو على الأقل كانت(المجتمعات) تفعل ذلك في فترة من الفترات). و إن كان كل ما سبق ذكره في الأسطر السالفة يوحي بشيء عن الفضيلة فإنما يوحي بأنها ظاهرة مجردة محيرة تحمل من المعاني و التأثيرات الكثير و بالتأكيد ستحفز التساؤل و الشك و التشكيك في ماهيتها، و بناء على هذا فأنه لابد لنا من طرح جملة أسئلة...

بين وهم الوجود و وهم الزمن

یؤثر الزمن أكثر من أي شيء آخر على الوجود عامة و على البشر و الإنسان خاصة، فالزمن مؤطر للوجود، فلا وجود خارج إطار الزمن. و في المنحى المعاكس فإن الوجود أیضا مؤطر للزمن و بالتالي فانعدام الوجود یعني انعدام الزمن، فالزمن لا یقیس وجود العدم او انعدام الوجود. و إنما یقیس الوجود اي انه لا یمكننا الحدیث عن زمن خارج الوجود أو عن وجود خارج الزمن. إن العلاقة بین الوجود و الزمن علاقة جد معقدة تجعلنا نتسآل عن ماھیة الزمن. فكما ھو واضح فإن وجود الوجود یقتضي وجوده داخل الزمن و وجود الزمن یقتضي وجوده داخل الوجود، و بھذا یكون التساؤل عن حقیقة الزمن ضرورة و ستقتضي منا الحاجة طرح اسئلة كثیرة من قبیل : ما الزمن؟ و كیف وجد؟ و ما علاقة الوجود بالزمن؟ ھل الوجود أصل الزمن أم أن الزمن أصل الوجود؟ ھل یمكن حقا أن یظھر الوجود و الزمن فجأة من العدم ؟ العدم سيد الأوهام لا أدري كیف لعقل بشري أن یتصور العدم، و لأكون صریحة أنا لا أستطیع فعلیا تصور العدم ، فكلما أحاول تصوره أجد أني أتصور وجودا قائما بحد ذاته، فعندما أتصوره فراغا أسودا عمیقا فإني أتصور موجودا و عندما أتصوره فضاء شفافا خالیا فذاك أیضا موجود. إ...

لحظات بين أحضان الموت : أنت لست أنت

   اللحظة الثانية: أنت لست أنت # أنت ضائع ھنا ، و أنا أناجي الموت ، وجدتك أمامي ، مخترقا لجميع العوالم لكنك لا ترى شيئا منھا و لا تحصل منھا على شيء ، یا للأسف فلنتوقف عندك لجزء من الثانية، ھل أنت حي ... ھل أنت ميت... أنت لا تختلف في أي شيء عن الأشباح، فأنت مزعج بقدرهم و عاجز بنفس القدر أيضا، أنت لست حيا... أنت فقط موجود... أنت لست  مختلفا عن أسوء شياطينك... أنت مجرم بعيدا جدا عنك، في منطقة لم يكن فیھا البحث عن نفسك خيارا، حوصرت وسط كومة من الدمار، دمار تسلل إلى أعماق روحك و عقلك، ظلام أصبح یعیش فیك و أنت اعتدت على تقبله و التعايش معه، ظلام تظن أنك لم تشارك في إنتاجه و تدعي أنك لا تعلم شیئا عن مصدره، ظلام تدعي أنه فرض علیك، ظلام أوھمك أنه الجلاد و أنك الضحية ، تبدو الأمور تراجيدية جدا عندما نراها من ھذه الزاوية، بجعلك الأمر تبدو بريئا جدا، و ھذا يعجبك، أنت تحب ھذا الوھم لأنه الوحید الذي بإمكانه إنقاذك من عذاب الضمير و لو للحظات، حسنا، دعنا إذا ننظر إلى الأمر من زاوية مختلفة قليلا . ھا أنت ذا مجددا، وسط الظلام مجددا، ظلام شھدت تكونه و نموه لحظة بلحظة، ظلام بدأ ب...

لحظات بين أحضان الموت : عودة الألم الأعظم

       اللحظة الأولى: عودة الألم الأعظم   # من قال أننا بشر ؟؟؟ .... أنا اعترض .... نحن لسنا كذلك... آلاف الجثث المتحللة المتعفنة تملأ المكان، و تعبق الأجواء برائحتها المميزة، تلك المنازل المدمرة أنصافها، تلك الكتب المتناثرة، الأیدي التي تمتد من تحت تلك الأنقاض، الأنفاس المتسارعة، تلك الثواني التي تفصل الحیاة عن الموت، تلك اللحظات التي يقابل فیھا طفل قنبلة بابتسامة عریضة، تلك الحیاة التي تغدو فیھا الحیاة أمنية و حلما، تلك الأنفس التي تنادي الموت فاتحة أذرعها، مھللة، مستقبلة، لیس لأنھا سئمت الحیاة- لا، أبدا-إنما لأنھا سئمت الموت ذاته، الموت مرات و مرات، فأصبحت تنادیه، أصبحت تطلبه لمرة واحدة و إلى لأبد، لا أدري كيف أمكنكم التساؤل عن نھایة العالم، و عن الكیفیة التي سیتم بھا الأمر، بل إني لا أفھم ما الذي جعلكم تظنون أن العالم فعلیا مازال قائما، أحیانا أتساءل أھو كذلك فعلا... كیف نثبت ذلك... كیف نثبت أننا ندیر عالما في الوقت الذي نعجز فيه عن إثبات بشریتنا التي نعتبرها حقيقة مطلقة، بسيطة و بديهية... ألیس الأمر مضحكا، نوع من الكومیدیا التراجیدیة، أم ...

نظرة إلى الشعلة : لا أحد يهرب

و كنهاية كل يوم أويت إلى فراشي ...أطفأت الأنوار ، فتحت المجال أمام ضوء النجوم إذ أردتها أن تشهد على إنجازي، انتزعت رأسي فألقيت به على وسادتي التي اعتادت رائحة الموت و مذاق الدماء ، و ارتميت بما تبقى من جسدي الفاني على سريري الميت فالتقى الميتان يصرخان يستنجد كل منهما بالآخر.. نفرت مني روحي، سمعتها تتأفف، أحسست بها تغادر بصخب متعثرة بكل السلاسل التي أثقلتها بها و بكل الأشواك التي نثرتها في طريقها. و على بعد خطوات من النهاية توقفت لبرهة، استدارت و نظرت إلي مطولا فرفعت يدي إشارة لتوديعها، أردت أن أتمنى لها حظا موفقا لكن لساني عجز عن النطق فبادلتها النظر و التحديق بصمت.. تابعت السير.. خطوة.. خطوتان.. ثلاثة... فتحت عيناي .." لقد دمرت الحياة، لقد هزمت نمط الحرب " كنت لأقولها بفخر، بصوت عالي...بحماس داخلي و لكن أيضا برباطة جأش. كنت لأتذكر الحياة على ألحان موسيقى الصمت فأبتسم بسخرية، أبتسم لأني تجاوزتها، لأني أقوى و أدهى منها.. كنت لأستيقظ مبتهجة على رائحة السلام ، على ألحان الهدوء، على مذاق الفراغ . كنت لأفتح عيناي ببطء شديد لأشعر بالصورة تتكون أمامي شيئا فشيئا، جزيئة فجزيئة، تت...

تسعون فارسة و أميرة

لا أدري بالضبط منذ متى بدأ الأمر، لكنني أعلم أنه استمر حتى صباح هذا اليوم، فقبل ساعة أو ما يقارب الساعة كنت لا أزال أفكر ما إذا كنت سأكتب أم لا ..لفترة ليست بالوجيزة و لا بالطويلة  عجزت عن الكتابة ، عجزت كليا عن ترجمة أية أفكار تدور في رأسي إلى كلمات و جمل مفيدة فاعتزلت الكتابة على أمل أن أعود بطاقة أكثر و حماس أعظم. و طيلة مدة اعتزالي لم استطع أن أكف عن التفكير في اليوم الذي سأكتب فيه مجددا تماما كما لم استطع أن أكف عن التفكير في كل تلك الفوضى الشنعاء داخل رأسي و في تلك الحروب الرعناء التي تشنها أفكاري على بعضها البعض و كل واحدة منها تحاول أن تحظى بالأولوية لذاتها و تنفرد بها . و طيلة هذه المدة لم تفارقني أقلامي و لا مجموعة أوراقي التي كانت تتأمل عودتها و تَأمُلها و هي مموضعة على مقربة من سريري  لتبقيني في أتم الجاهزية للكتابة مجددا متى ما شئت ذلك و متى ما انتهيت من استراحتي التي تبدى لي شيئا فشيئا أنها لم تكن استراحة بقدر ما كانت أقرب إلى رحلة عمل جحيمية لتجربة و ربما تقييم أحد أكثر الكوكتيلات شهرة هناك ، ذلك المزيج المركب و المربك من الارتباك و الملل و الفراغ يزينه خوف مجه...

لحظة

أوراق الشجر التي تلاقي الأرض أول مرة ...براعم الأزهار التي تتمايل احتفالا بهبات الشمس و ترقص على ايقاعات الرياح ، ثم تنحني احتراما و إجلالا لأنغام الأمطار...حبوب القمح الذهبية تفترش الأرض الخصبة و تلمع بإغراء يتفوق على إغراءات كنوز المدينة الفاضلة مجتمعة، و كأنها (حبوب القمح) تناجي الطيور متوسلة أن تلتقطها...العصافير بأجسامها الصغيرة مغردة على الأغصان بألحان ما كانت الأرض لتطلب مكافأة أثمن منها، بل ما كانت لتستطيع ذلك من الأساس...هدوء الفراشات و سكونها و هي تتأمل الوجود على زجاج نافذة غرفتي....طمأنينتها العظيمة، ذلك السلام العميق  و ذلك التمسك و التشبث المستميت بمكان محدد من زجاج نافذتي، أمور تغريني بالتمني.....أتمنى....أتمنى لو أنني أرى ما تراه، فلا شك أنه أمر يستحق المشاهدة، و ربما يستحق أيضا كل الاحتفالات الاستثنائية التي تليه حول مصباح غرفتي تلك ....تلك الطقوس الغريبة ، المبهجة، و كأنها تقبل النور المجرد .... و كأنها تلامس روحها و تتلمسها.....محظوظة هي هذه الفراشات ....جنود الظلام التي تلامس النور دون أن يخفيها أو يموهها....عظيمة هي الفراشات ....ناشرة البهجة و الفرحة ،...

نظرة إلى الشعلة : بين بداية النهاية و نهاية البداية

لا يمكنني الانتصار في حرب الحياة ...لا أحد يمكنه ذلك، و لكن المصيبة الأدهى أنني لا أستطيع الارتقاء في سلم المعارك، معظمنا يفعل ذلك ، معظمنا يستطيع، لكن الأمور مختلفة بالنسبة لي ، أنا لا أستطيع أن أخوض معركة خاسرة في حرب دون معنى أو هدف...أعجر عن خداع نفسي ، أعجز عن العيش كبيدق آخر في رقعة نخبة عظماء الحرب، أن أكون مجرد ترفيه رخيص لهم ، فريسة جالسة تنتظر تلقي سهم ذهبي في قلبها، فأر يحاول التسلق لأعلى فقط لأنهم يسمحون له بذلك ...أنا أعجز عن مسايرة كل هذا و لست نادمة أبدا على ذلك...لكنني في المقابل و مهما حاولت أعجز عن البقاء خارج ساحة الحدث، و دائما ما أجد نفسي وسط النيران دون سابق إنذار ،إذ أعجز عن تجاهل كل محاولاتهم البائسة و لا أستطيع البقاء مكتوفة الأيدي و أراقبهم يحاولون حل أحجية غير موجودة و يبحثون في الأمكنة و الأزمان على حل للغز هم إجابته ....لا أستطيع أن أمشي مع التيار و لا أن أبقى خارج دائرته و لا السير عكسه، و لذلك قررت اختيار مسار آخر...مساري الخاص، فأنا أدرك أن قوانين اللعبة لن تتغير أبدا ، فمحركو الدمى لا يريدون تغييرها ، و البيادق تخشى تغيرها...لذلك اخترت إنهاء اللعبة...

نظرة إلى الشعلة : العبث

الحياة حرب  عظيمة، باردة، قاسية و قارسة، إنها حلقة لا نهائية من الطعنات المتتالية متبوعة بسلسلة من أوهام الشفاء، إنها حرب قوة فرض على كل مخلوق منا التدخل فيها و أجبرنا جميعا على أن نكون طرفا فيها، بل الطرف الأضعف فيها، الطرف الذي يبلغ نهاية النهاية، الطرف الذي يتبين قدميه تترنحان على الحافة ، ليعود و بشكل غير مفهوم أبدا إلى البداية ، إلى بداية معركة جديدة و مختلفة كل الاختلاف عن سابقاتها. نحن أكثر طرف يناله الأذى من هذه الحرب، بل لعلنا الطرف الوحيد المتأذي منها ، الطرف الذي حكم عليه أم يحارب من القاع دون أن يمنح الوقت لتبين ما يحاربه أو من يحاربه،  الطرف الوحيد الذي يحارب من أعماق المحيط ليس اتقاء للغرق ، و إنما أملا في الارتقاء و ليس إلى السلم - لا ،أبدا-إنما إلى معارك أقل ضررا , ففي النهاية نحن نعلم أن الحرب لن تتوقف أبدا ، و نعلم أننا لن ننتصر أبدا، لكننا نأمل أن نحارب من قاعدة أعلى ذات يوم ، و هذا أمر يصعب تحقيقه عندما نستمر في تجاهل حقيقة أننا لا نستطيع إلا الدفاع المستميت و أحيانا الانتحاري و لا وسيلة لنا غيره ، بل و الأدهى من هذا أننا نفقد الذاكرة بعد كل معركة، فننسى أ...

خرافة الموضوعية : نظرة من أعلى

من المستحيل أن يكون الإنسان موضوعيا، فالموضوعية أمر دمرته النسبية و أفنته، إلا بعض الأنقاض و الرواسب التي لا تزال عالقة في أذهان البشر حتى يومنا هذا. فالأمر و بكل بساطة أن كل نظرية أو فكرة لابد لها أن تقوم في جزء من أجزائها على الملاحظة ، و في كل لحظات من لحظات الاستنباط و الحساب لابد من استحضار الملاحظة الأولية، فالاستنباط مهما بدا ذهنيا أو حسابيا بعيدا عن الملموس إلا أنه يبقى استنباطا من شيء ما ، و هذا الشيء لا يمكن أن يكون عدما أو خيالا خالصا، و حتى لو افترضنا أنه خيال، فإن أسسه (و التي هي أسس الخيال عامة) تقوم أيضا على جزء مما يمكن أن نسميه بحقائق العالم الواقعي، و بناء على هذا فإنني عندما أقول أنني أرى الأمر من منظور معين و أبني أسسي نتائجي باعتماد المنظور الذي رأيته، بينما يمكن أن يرى شخص آخر نفس الأمر من منظور مختلف تماما ، و سواء أكنت قادرة على رؤية المنظورين معا أو على رؤية أحدهما فقط و الذي هو منظوري فإن أقصى ما يمكن أن أفعله للاقتراب من وهم الموضوعية ذاك و مقاييسه هو  تقبل وجهة نظر الأخر مادام قادرا على صياغتها بطريقة منطقية محترمة أسس المنطق السليم ، أما في ما يخص الثو...